العائدون إلى الله
مجموعة من قصص التائبين ، من مشاهير
وعلماء ودعاة وغيرهم يرونها بأنفسهم
المجموعة الأولى
محمد بن عبدالعزيز المسند
(1) توبة الشيخ أحمد القطان [1]
الشيخ أحمد القطان من الدعاة المشهورين والخطباء المعروفين يروي قصة توبته فيقول:
إن في الحياة تجارب وعبراً ودروساً… لقد مررت في مرحلة الدراسة بنفسية متقلّبة حائرة… لقد درست التربية الإسلامية في مدارس التربية – ولا تربية – ثمانية عشر عاماً.
وتخرجت بلا دين… وأخذت ألتفت يميناً وشمالاً: أين الطريق؟ هل خلفت هكذا في الحياة عبثاً؟.. أحس فراغاً في نفسي وظلاماً وكآبةً.. أفر إلى البر… وحدي في الظلام لعلي أجد هناك العزاء، ولكن أعود حزيناً كئيباً.
وتخرجت في معهد المعلمين 1969م وفي هذه السنة والتي قبلها حدث في حياتي حدث غريب تراكمت فيه الظلمات والغموم إذ قام الحزب الشيوعي باحتوائي ونشر قصائدي في مجلاتهم وجرائدهم. والنفخ فيها. وأخذوا يفسرون العبارات والكلمات بزخرف من القول يوحي به بعضهم إلى بعض حتى نفخوا فيّ نفخة ظننت أنني أن الإمام المنتظر؟
وما قلت كلمة إلا وطبّلوا وزمّروا حولها… وهي حيلة من حيلهم. إذا أرادوا أن يقتنصوا ويفترسوا فرداً ينظرون إلى هويته وهوايته ماذا يرغب… يدخلون عليه من هذا المدخل.
رأوني أميل على الشعر والأدب فتعهّدوا بطبع ديواني نشر قصائدي وعقدوا لي الجلسات واللقاءات الأدبية الساهرة… ثم أخذوا يدسون السم في الدسم.
يذهبون بي إلى مكتبات خاصة ثم يقولون: اختر ما شئت من الكتب بلا ثمن فأحم كتباً فاخرة أوراقاً مصقولة… طباعة أنيقة عناوينها: (أصول الفلسفة الماركسية)، 0المبادئ الشيوعية) وهكذا بدءوا بالتدريج يذهبون بي إلى المقاهي الشعبية العامة، فإذا جلست معهم على طاولة قديمة تهتز… أشرب الشاي بكوب قديم وحولي العمال… فإذا مرّ رجل بسيارته الأمريكية الفاخرة قالوا: انظر، إن هذا يركب السيارة من دماء آبائك وأجدادك… وسيأتي عليك اليوم الذي تأخذها منه بالثورة الكبرى التي بذأت وستستمر… إننا الآن نهيئها في (ظفار) ونعمل لها، وإننا نهيئها في الكويت ونعمل لها، وستكون قائداً من قوادها.
وبينما أنا اسمع هذا الكلام أحسّ أن الفراغ في قلبي بدأ يمتلئ بشيء لأنك إن لم تشغل قلبك بالرحمن أشغله الشيطان… فالقلب كالرحى… يدور… فإن وضعت به دقيقاً مباركاً أخرج لك الطحين الطيب وإن وضعت فيه الحصى أخرج لك الحصى.
ويقدّر الله – سبحانه وتعالى - بعد ثلاثة شهور أن نلتقي برئيس الخلية الذي ذهب إلى مصر وغاب شهراً ثم عاد.
وفي تلك الليلة أخذوا يستهزئون بأذان الفجر… كانت الجلسة تمتد من العشاء إلى الفجر يتكلمون بكلام لا أفهمه مثل (التفسير المادي للتاريخ) و (الاشتراكية والشيوعية في الجنس والمال) …ثم يقولون كلاماً أمرّره على فطرتي السليمة التي لا تزال… فلا يمرّ…أحس أنه يصطدم ويصطكّ ولكن الحياء يمنعني أن أناقش فأراهم عباقرة… مفكرين… أدباء… شعراء… مؤلفين كيف أجرؤ أن أناقشهم فأسكت.
ثم بلغت الحالة أن أذّن المؤذّن لصلاة الفجر فلما قال (الله أكبر) أخذوا ينكّتون على الله ثم لما قال المؤذن (أشهد أن محمّدا رسول الله) أخذوا ينكّتون على رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
وهنا بدأ الانفعال الداخلي والبركان الإيماني الفطري يغلي وإذا أراد الله خيراً بعباده بعد أن أراه الظلمات يسرّ له أسباب ذلك إذا قال رئيس الخلية: لقد رأيت الشيوعية الحقيقية في لقائي مع الأبنودي الشاعر الشعبي بمصر وهو الوحيد الذي رأيته يطبّقها تطبيقاً كاملاً.
فقلت: عجباً… ما علامة ذلك؟!!.
قال: (إذا خرجنا في الصباح الباكر عند الباب فكما أن زوجته تقبله تقبلني معه أيضاً وإذا نمنا في الفراش فإنها تنام بيني وبينه…) هكذا يقول… والله يحاسبه يوم القيامة فلما قال ذلك نَزَلَتْ ظلمة على عينيّ وانقباض في قلبي وقلت في نفسي: أهذا فكر؟!! أهذه حرية؟!! أهذه ثورة؟!! لا وربّ الكعبة إن هذا كلام شيطاني إبليسي!!
ومن هنا تجرأ أحد الجالسين فقال له: يا أستاذ مادمت أنت ترى ذلك فلماذا لا تدع زوجتكم تدخل علينا نشاركك فيها؟ قال: (إنني ما أزال أعاني من مخلفات البرجوازية وبقايا الرجعية. وسيأتي اليوم الذي نتخلص فيه منه جميعا...)
ومن هذه الحادثة بدأ التحول الكبير في حياتي إذ خرجت أبحث عن رفقاء غير أولئك الرفقاء فقدّر الله أن ألتقي باخوة في (ديوانية)
كانوا يحافظون على الصلاة... وبعد صلاة العصر يذهبون إلى ساحل البحر ثم يعودون وأقصى ما يفعلونه من مأثم أنهم يلعبون (الورقة).
ويقدّر الله أن يأتي أحدهم إلىّ ويقول: يا أخ أحمد يذكرون أن شيخاً من مصر اسمه (حسن أيوب) جاء إلى الكويت ويمدحون جرأته وخطبته، ألا تأتي معي؟ قالها من باب حبّ الاستطلاع..
فقلت: هيا بنا.. وذهبت معه وتوضأت ودخلت المسجد وجلستُ وصليتُ المغرب ثم بدأ يتكلم وكان يتكلم وافقاً لا يرضى أن يجلس على كرسي وكان شيخاً كبيراً شاب شعر رأسه ولحيته ولكن القوة الإيمانية البركانية تتفجر من خلال كلماته لأنه كان يتكلم بأرواح المدافع لا بسيوف من خشب.
وبعد أن فرغ من خطبته أحسستُ أني خرجت من عالم إلى عامل آخر.. من ظلمات إلى نور لأول مرة أعرف طريقي الصحيح وأعرف هدفي في الحياة ولماذا خلقت وماذا يراد مني وإلى أين مصيري..
وبدأت لا أستطيع أن أقدم أو أؤخر إلا أن أعانق هذا الشيخ وأسلّم عليه.
ثم عاد هذا الأخ يسألني عن انطباعي فقلت له: اسكت وسترى انطباعي بعد أيام..
عدتُ في الليلة نفسها واشتريت جميع الأشرطة لهذا الشيخ وأخذتُ أسمعها إلى أن طلعتِ الشمس ووالدتي تقدم لي طعام الإفطار فأردّه ثم طعام الغداء وأنا أسمع وأبكي بكاءً حارّاً وأحسّ أني قد ولدتُ من جديد ودخلتُ عالماً آخر وأحببتُ الرسول صلى الله عليه وسلم، وصار هو مثلي الأعلى وقدوتي وبدأتُ أنكبُ على سيرته قراءةً وسماعاً حتى حفظتها من مولده إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، فأحسستُ أنني إنسان لأول مرة في حياتي وبدأت أعود فأقرأ القرآن فأرى كل آية فيه كأنها تخاطبني أو تتحدث عني (أوًمنْ كانَ ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها…) سورة الأنعام
نعم.. لقد كنت ميتاً فأحياني الله… ولله الفضل والمنة… ومن هنا انطلقتُ مرة ثانية إلى أولئك الرفقاء الضالين المضلين وبدأت أدعوهم واحداً واحداً ولكن… (إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين)… أما أحدهم فقد تاب بإذن الله وفضله، ثم ذهب إلى العمرة فانقلبتْ به السيارة ومات وأجره على الله.
وأما رئيس الخلية فقابلني بابتسامة صفراء وأنا أناقشه أقول له: أتنكر وجود الله؟!! وتريد أن تقنعي بأن الله غير موجود؟!! فابتسم ابتسامة صفراء وقال: يا أستاذ أحمد.. إنني أحسدك لأنك عرفت الطريق الآن.. أما أنا فاتركني.. فإن لي طريقي ولك طريقك.. ثم صافحني وانصرفت وظل هو كما هو الآن؟
وأما البقية فمنهم من أصبح ممثلاً ومنهم من أصبح شاعراً يكتب الأغاني وله أشرطة (فيديو) يلقي الشعر وهو سكران... وسبحان الذي يُخرج الحي من الميت... ومن تلك اللحظة بدأت أدعو إلى الله رب العالمين.
(2) توبة والد الشيخ أحمد القطان
الشيخ أحمد القطان -جزاه الله خيراً- كان هو السبب -بعد توفيق الله- في هداية والده يروي لنا القصة فيقول [2]
أصيب والدي -رحمه الله- بمرض في الغوص حيث كانوا على ظهر سفينة فضربتهم صاعقة..
فقد كانوا داخلين في شط العرب يحملون التمور وكانت هناك سفينة كويتية معطلة تحتاج إلى بعض التصليح فطلب ربّان هذه السفينة من ربّان السفينة الأخرى التي فيها والدي أن يساعده فيجر معه (المحمل) حتى يخرجه من المكان الضحل إلى المكان العميق. فوعده أن يساعده في وقت آخر بعد أن يستقي الماء ويجره إلى المكان العميق إلا أنه كان مستعجلاً وكان محمّلا بضاعـة ثقيلة فلم يف بوعده إذ (خطف) بالليل خفيـة وترك صاحبه الذي وعده قال والدي -رحمه الله -: فلما خرجنا من الخليج العربي جاءت سحابة فوق السفينة فبرقت ورعدت ونزلت منها صاعقة على الشراع فاحترق كله..
فكان والدي ممن أصيب بهذه الصاعقة إذ أصيب بمرض أشبه بالشلل.
وكان التجار يلومون ربان السفينة ويقولون له: لو أنك ساعدت ذلك الرجل صاحب السفينة المعطلة لما حدث ما حدث... ولكن... قدرّ الله وما شاء فعل...
ثم عادوا بوالدي -رحمه الله- إلى بيته وأصبح مقعداً لا يستطيع المشي وأكل ما عنده من مدخرات حتى أصبح يخرج وهو يزحف إلى الشارع لعله يجد من يجود عليه ولو بكسرة خبز.
ولما بلغت به هذه الحالة وامتد مرضه ما يقارب العشر سنوات وهو جالس البيت بلا علاج وصفوا له شيخاً من المنتسبين للدين يقرأ على الناس الآيات والأحاديث للاستشفاء. واستدعي ذلك الشيخ الذي يسمونه (الملا) وكان أول سؤال وجّهه إلى والدي -مع الأسف الشديد- : (كم تدفع على هذه القراءة؟!فقال والدي -رحمه الله- : أنا رجل فقير ومقعد وليس معي في جيبي إلا هذه النصف روبية هي ثمن طعامي أنا ووالدتي.. فقال (الملا) هذه لا تكفي .. وطلب أكثر من ذلك.. فلما لم يعطه والدي ما يريد خرج ولم يقرأ عليه شيئاً.
وهنا أحسّ والدي بامتعاض شديد وتولد عنده ردّ فعل عنيف جعله يكره الدين ويكره من ينتسب إلى هذا الدين... وأصبحت هذه الحادثة دائماً على لسانه لاسيما وأنه كان فصيحاً وذكياً يقول الشعر ويضرب الأمثال.. فسلط تلك الفصاحة وذلك الذكاء للسخرية بالمتدينين بسبب ذلك الموقف الذي وقفه ذلك الملا.
ومرت الأيام...
ويقدر الله -جل وعلا- أن يأتيه رجل فيقول له: لماذا لا تذهب إلى المستشفى (الأمريكاني) الذي يمدحه الناس ويثنون عيه وفيه طبيب جيد اسمه سكيدر... الخ وهو مستشفى تابع لإرساليات التبشير (النصرانية) التي تعمل لتنصير المسلمين أو إخراجهم من دينهم على الأقل..
فقال والدي ولكن كيف أستطيع الوصول إلى هذا المستشفى وهو بعيد عني بيتي وأنا لا أستطيع المشي.
ولم تكن في ذلك الوقت مواصلات تنقلهم كما هو الآن إلا عند أناس يعدون على الأصابع ومن هؤلاء المعدودين ذلك المستشفى المذكور حيث كان يملك سيارة وعند الدكتور سكيدر..
وعند أذان الفجر زحف والدي رحمه الله على فخذيه من بيته إلى المستشفى (الأمريكاني) فما وصله –زحفاً- إلا قبيل الظهر وكان ذلك في فصل الصيف.
يقول رحمه الله : فلما وصلت إلى جدار المستشفى لم تبق فيّ قطرة ماء لا في فمي ولا في عيني ولا جسمي... وأحسست أن الشمس تحرقني وأكاد أموت حتى إني لا أستطيع أن أتكلم أو أصرخ أنادي.. فدنوت من الجدار ونمت وبدأت أتشهد استعداداً للموت.
يقول: ثم أغمي عليّ وظننت أني متّ فلما فتحت عيني إذا أنا في بيتي وبجواري دواء..
قال: فسألت الناس الذين كانوا يعالجون في المستشفى: ماذا حدث؟ فقالوا: إن الناس قد أخبروا الطبيب بأن هناك رجلاً قد أغمي عليه عند جدار المستشفى فنظر من النافذة فرآه فنزل مع الممرضين وحملوه ودخلوا به ثم بعد ذلك قام بتشخيصه تشخيصاً كاملاً حتى عرف المرض وأعطاه حقنة ثم بعد ذلك أعطاه الدواء وحمله بسيارته الخاصة وأوصله إلى البيت.
قال والدي -رحمه الله-: فلما وضعتُ يدي في جيبي وجدتُ بها خمس روبيات فسألت: من الذي وضع هذه الروبيات في جيبي؟ فقالت الوالدة وضعها الدكتور الذي أحضرك إلى هنا!!!.
وهنا يظهر الفرق الكبير بين ما فعله هذا (المبشر) النصراني وبين ما فعله ذلك (الملا) سامحه الله.
إن هذا النصراني لم يدعُ والدي إلى دينه بطريقة مباشرة وإنما أحسن معه المعاملة لكي يستميل قلبه ومن أصول الإرساليات التبشيرية (التنصيرية) التي تدرس لهم وقرأناه في الكتب ودرسناها نحن أنه ليس من الشرط أن تجعل المسلم نصرانياً.. -إن جعلته نصرانياً فهذا تشريف للمسلم (هكذا يقولون)- ولكن إذا عجزت أن تجعله نصرانياً فاحرص على أن تتركه بلا دين فإن تركته بلا دين فقد حققت المطلب الذي نريد.
الشاهد أن الوالد رحمه الله شُفي وقام يمشي وظل ذلك الطبيب يزوره في كل أسبوع مرة ويتلطف معه ويمسح عليه وينظفه ويعالجه إلى أن تحسنت صحته وقام يمشي وبدأ يعمل ثم بعد تزوج فلما رزقه الله بابنه الأول -وهو أنا- ظل ولاؤه لهذا الطبيب لدرجة أنني لما بلغت الخامسة من عمري وبدأت أعقل بعض الأمور كان يأخذني كل أسبوع في زيارة مخصصة إلى ذلك الدكتور ويلقنني منذ الصغر ويقول: انظر إلى هذا الرجل الذي أمامك. إنه هو سبب شفاء والدك.. هذا الذي كان يعالجني في يوم من الأيام ويضع في جيبي خمس روبيات بينما يرفض (الملا) علاجي لأني لا أملك هذه الروبيات..ثم يأمرني بتقبيل يده.. فأقوم أنا وأقبل يده.
واستمرت هذه الزيادة المخصصة لذلك الدكتور إلى أن بلغت العاشرة من عمري.. في كل أسبوع زيارة وكأنها عبادة.. يدفعني إليه دفعاً لكي أقبّل يده.
ثم بعد ذلك استمر والدي يسخر من المتدينين ويستهزئ بهم، فلما هداني الله إلى الطريق المستقيم وأعفيت لحيتي بدأ يسخر ويستهزئ باللحية.
فقلت في نفسي: إنه من المستحيل أن أنزع صورة ذلك (الملا) من رأسه وصورة ذلك الدكتور من رأسه أيضاً إلا أن أحسن المعاملة معه أكثر من (الملا) وأكثر من الدكتور وبدون ذلك لن أستطيع.
فظللت أنتظر الفرصة المناسبة لذلك طمعاً في هداية والدي. وجاءت الفرصة المنتظرة.. ومرض الوالد مرضاً عضالاً.. وأصبح طريح الفراش في المستشفى حتى إنه لا يستطيع الذهاب إلى مكان قضاء الحاجة إذا أراد ذلك وكنتُ أنا بجواره ليلاً ونهاراً فقلتُ في نفسي هذه فرصة لا تقدّر بثمن.
وفي تلك الحال كان -رحمة الله عليه- يتفنّن في مطالبة يختبرني هل أطيعه أم لا؟
ومن ذلك أنه في جوف الليل كان يأمرني بأن أحضر له نوعاً من أنواع الفاكهة لا يوجد في ذلك الوقت فأذهب وأبحث في كل مكان حتى أجدها في تلك الساعة المتأخرة ثم أقدمها له فلا يأكلها.. فإذا أراد أن يقضي الحاجة لا يستطيع القيام فأضع يدي تحت مقعدته حتى يقضي حاجته في يدي.. ويتبول في يدي.. وأظل واضعاً يدي حتى ينتهي من قضاء الحاجة، وهو يتعجّب من هذا السلوك... ثم أذهب إلى دورة المياه وأنظف يدي مما أصابهما.
وقد تكررت هذه الحادثة في كل عشر دقائق مرة.. نظراً لشدة المرض حتى أنني في النهاية لم أتمكن من وضع يدي كلما تبرز أو تبول.. لكثرة ذلك.
فلما رأى والدي هذا التصرف يتكرر مني أكثر من مرة أخذ يبكي.. فكان هذه البكاء فاتحة خير وإيمان في قلبه.. ثم قال لي: إنني ما عرفت قيمتك إلا في هذه اللحظة.
ثم سألني: هل جميع هؤلاء الشباب المتدينين مثلك؟.. قلت له: بل أحسن مني، ولكنك لا تعرفهم.. وكانوا يزورونه ويسلمون عليه.
فبدأ يصلي ويصوم ويحب الدين ويذكر الله.. ولا يفتر لسانه عن ذكر الله وقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وأسبغ الله عليه هذا الدين فقلتُ: سبحان الله.. حقاً إن الدين هو المعاملة.